في برومادينيو.. فريق الإنقاذ «الإسرائيلي» بحاجة إلى إنقاذ
أحد جنود الاحتلال غارق في الوحل - أسوشيتد برس
في سياق محاولاته لرسم صورةٍ لـ «قوة عالمية صاعدة» وفق زعمه، ونتيجةً لما يعانيه على المستويين الشخصي والسياسي، يستمر رئيس حكومة الاحتلال «بنيامين نتنياهو» في كتابة سيناريو مسلسل «صناعة التاريخ». حيث افتتح أولى حلقاته بزيارةٍ إلى سلطان عمان، وأتبعها بأخرى إلى «صديقه البرازيلي» جايير بولسونارو، وثالثة إلى التشادي إدريس ديبي وسط إشاعات عن زيارةٍ قريبة سيلتقي خلالها مع رئيس وزراء مالي.
 
لم يحالف الحظ أياً من حلقات هذا المسلسل حتى الآن. وقد راكمت فشلاً وراء آخر. ولعل آخر قصة فشل، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة، جاءت مع "فريق الإنقاذ" الذي أرسله نتنياهو إلى البرازيل، ليساهم في تقديم الإغاثة والبحث بعد الكارثة الإنسانية التي خلّفها انهيار سد في بلدة «برومادينيو» البرازيلية. فانتهت هذه الحلقة كما سابقاتها، لا بل كانت نتيجتها فضيحة مدويّة لكيان الاحتلال على الصعيد الإجرائي – التقاني، كما على الصعيدين السياسي والشعبي. 
 
فبعد أن حطّ قرابة 136 عسكرياً من جنود الاحتلال في وقت متأخر من ليل الأحد (27 يناير/كانون الثاني) في مطار بيلو أوريزونتي، القريب من مكان وقوع الكارثة، مزوّدين بما يصل إلى 16 طن من المعدات والأجهزة الذكية (شديدة التفوق كما يحلو لنتنياهو وصفها عادةً)، بدأوا "العمل" في صبيحة اليوم التالي، ليثيروا السخط والسخرية في آن معاً.
 
حيث صرّح العقيد في جيش الاحتلال وقائد فريق الإنقاذ «جولان فاش» بأن فريقه بدأ "جهود تحديد أماكن المفقودين الذين لا زالوا على قيد الحياة باستخدام أجهزة الكشف المتطورة التي جلبها معه خصيصاً لهذه الغاية"، اتساقاً مع طريقة رئيس حكومته في الاستعراض. وما هي إلا ساعات حتى جاء الردّ على لسان قائد عمليات الإنقاذ البرازيلي المقدّم «إدواردو أنجيلو» الذي قال: "إن المعدّات التي جلبوها غير صالحة للتعامل مع هذه الكارثة"!
 
تصريحات العسكري البرازيلي أثارت ردود فعل سفير الاحتلال في البرازيل «يوسي شيلي»، والذي أكّد أن "بعض الأجهزة تعمل بالتأكيد. على الأقل تلك التي تعتمد على الوصول إلى الضحايا من خلال ملاحقة إشارة الهواتف النقالة أو من خلال تحسس حرارة الجسد".
 
وهذا ما دفع المقدّم أنجيلو للردّ مجدداً موضحاً: "عندما نقول أن أياً من هذه الأجهزة غير مفيد، فنحن نعني ما نقول. قد تكون هذه الأجهزة صالحة للوصول إلى إشارة الهاتف النقال على عمق 3 أمتار ولكن ليس إلى عمق 15 متر كما هي الحالة هنا. وإذا كانوا يتحدثون عن أجهزة تحسس حرارة الجسد فأنا أؤكد أن هذه الأجهزة لم تعثر على أي جسد خلال 48 ساعة".
 
سفير الاحتلال لم يجد ما يردّ به هذه المرّة سوى أن هذه التصريحات نابعة عن "غيرة تستهدف النيل من سمعة فريق الإنقاذ" الذي أرسلته حكومته. مما اضطر أنجيلو إلى التأكيد على أن "دعم الإسرائيليين مهم ويعمل كعديد بشري يرافق فرق الإغاثة التابعة لجهاز الإطفاء"! 
 
وقد جاء انسحاب الفريق بعد 4 أيام على بدء مهتمه، فيما لا زالت عمليات الإنقاذ البرازيلية مستمرة، مؤشراً على فشل مهمته. فيما جاءت خطوة حكومة بولسونارو التي قامت بتكريم أعضاء الفريق بحفاوة، وتوديعهم في المطار كـ «أبطال» من قبل حاكم ولاية ميناس جرايس بنتائج عكسية تماماً، حيث أثارت سخطاً شعبياً إضافياً. فقد رأت الأوساط الشعبية أن القادة الحكوميون يعلون كثيراً من شأن الفريق "الإسرائيلي" فيما يتجاهلون الجهود الشاقة التي بذلتها فرق الإنقاذ الوطنية العسكرية والمدنية، لا بل وينسون إبداء اهتمام مماثل بالضحايا وأسرهم.
 
وفي الحقيقة، فإن السخط الشعبي لم ينتظر النتائج، بل إنه بدأ مع وصول جنود الاحتلال. حيث تداول البرازيليون على مواقع التواصل الاجتماعي كاريكاتيراً للرسام البرازيلي المعروف «كارلوس لطّوف» ظهر فيه الرئيس البرازيلي بولسونارو عند سلّم الطائرة مرحباً بجنود الاحتلال الذين يعتذرون عن تأخرهم في الوصول نظراً لـ "انشغالهم في قتل الفلسطينيين". ولاحقاً ترافق هذا السخط بالكثير من السخرية، حيث تداول الناشطون صوراً لأعضاء فريق الإنقاذ من جنود الاحتلال غارقين في الوحول ينتظرون من ينقذهم، ولم يتسنى تبيّن إذا ما كانت هذه الصور حقيقية أم مزيّفة.
 
وإذ يسعى نتنياهو إلى محاولة «تبييض» صفحته وتحسين موقف حزبه، قبل موعد محاكمته في 20 فبراير/شباط الجاري، حيث يواجه 4 تهم فساد، فإنه يعلم قبل غيره أن كل محاولاته هذه هي عبارة عن "كثيرٍ من الجعجة دون أي طحن"، ولا تتجاوز كونها أفعال"نفخٍ في قربة مقطوعة"، غير أنه مصمّم على التضحية بما تبقى من صورة "القوة الرادعة" سعياً وراء تحسين صورته الشخصية وحالته السياسية.