في اليوم الأول من السنة الجديدة، سيتولى الرئيس البرازيلي المنتخب «جايير بولسونارو» مقاليد الرئاسة البرازيلية بشكل رسميّ لمدة أربع سنوات قادمة. وعندها سيكون عليه اتخاذ مواقف من الوعود الصادمة التي أطلقها إبان حملته الانتخابية، والتي أثارت الكثير من الجدل على الصعيدين الداخلي والخارجي.
ولعل أبرز الأسئلة التي سيواجهها بولسونارو، وخاصةً بعد تأكيد حضور رئيس الوزراء الإسرائيلي - الذي يزور البرازيل حالياً - مراسمَ حفل تنصيب «الحليف الجديد» في البرازيل، هو ذاك السؤال المتعلق بنقل السفارة البرازيلية إلى القدس ومتى وكيف سيتم ذلك؟
يرى خبراء في الشأن البرازيلي أن موضوع نقل السفارة الذي أثاره بولسونارو أثناء حملته الانتخابية لا يعدُ أكثر من مجرد «وعد انتخابي»، استهدف جذب أصوات المتطرفين الدينيين وأصوات رعايا الكنائس الإنجيلية في البلاد. ويستندون في ذلك إلى التراجع الذي أبداه بولسونارو مصرّحاً بأنه «لم يحسم موقفه بعد من موضوع نقل السفارة»، على خلفية الموقف المصري «غير واضح المعالم»، عندما تم إلغاء استقبال وزير الخارجية البرازيلي والوفد المرافق "نتيجة تضارب في المواعيد" (في أوائل نوفمبر الماضي)، وهو ما تم تفسيره في الأوساط البرازيلية على أنه ردّة فعل مصرية على مواقف بولسونارو بشأن نقل السفارة. وقد تشكّل مقدّمة لمواقف عربية إضافية تؤثّر في العلاقات التجارية مع البرازيل.
في المقابل، تشير مصادر دبلوماسية برازيلية رفيعة إلى أن بولسونارو، الذي أسند وزارة الخارجية لمتطرف يميني من دبلوماسيي الدرجة الثانية في وزارة الخارجية مقرّب من أفكار ترامب (وفق صحيفة كورّيو بريزيلينسي البرازيلية)، أكّد بهذه الخطوة أنه سيجري تبديلاً عميقاً في السياسة الخارجية «التقليدية» للبرازيل.
هذا ما برز بشكلٍ واضح في التصويت الذي قامت به البرازيل لصالح مشروع قرار الولايات المتحدة الأمريكية لإدانة حركة حماس في الأمم المتحدة؛ وهو ما وصفته الصحافة البرازيلية بأنه «يخالف بشدة تقاليد السياسة الخارجية للبرازيل التي اعتادت اتخاذ موقف محايد من جميع الأطراف». وقد جاء هذا التصويت بضغط من وزير الخارجية المكلّف «أرنستو أراوجو»، وبعد زيارة قام بها النائب «إدواردو بولسونارو» عضو البرلمان البرازيلي عن ولاية ساو باولو وابن جايير بولسونارو، إلى الولايات المتحدة التقى خلالها «جاريد كوشنر» صهر الرئيس الأمريكي، وأعلن في نهايتها أن "البرازيل ستتوقف عن كونها قزماً دبلوماسياً وستكون حليفاً حقيقياً للولايات المتحدة وإسرائيل".
موقف عربي متردد
إن تباين المواقف العربية و«تواطؤها» في بعض الحالات، مع موضوع نقل سفارات الدول إلى القدس، والذي بدأ بنقل السفارة الأمريكية، شجّع دولاً أخرى ملتحقة بالفضاء الأمريكي على اتخاذ هذه الخطوات، طمعاً بمكاسب مالية وسياسية أو لنيل رضى السيّد الأمريكي. ومؤخرًا اكتفت الجامعة العربية بإعلان "إرسال وفدٍ إلى أستراليا والبرازيل لإقناع المسؤولين في البلدين بوقف أي قرار يمس بوضع مدينة القدس". وكذلك "الطّلب من السفراء العرب في البلدين التحرّك دبلوماسيًا وسياسيًا لإبلاغ رسالة الجامعة بهذا الخصوص". السفير الفلسطيني في البرازيل إبراهيم الزبن استبق هذا بعدة تصريحات، قال فيها "نأمل عودة بولسونارو عن تعهده بنقل السفارة إلى القدس".
وإن كان البعض يتذرع بـ «ضعف حيلة» الدول العربية وعجزها عن التدخل في قرارات هذه الدول، فتجدر الإشارة إلى أنه يمكنها على الأقل التلويح بأن هذا القرار قد يؤثّر على تجارة بينية حجمها "20 مليار دولار من التبادل التجاري بين البرازيل والدول العربية للعام 2017"، وفق ما صرّح به الرئيس البرازيلي ميشيل تامر في المنتدى الاقتصادي العربي الذي انعقد في ساو باولو، مطلع إبريل الماضي).
وفي ظل غياب الجهود الرسمية العربية الجادة في هذا الإطار، وربّما لمصالح تجارية بحتة، حاولت فعاليات اقتصادية عربية في البرازيل إيصال رسالة إلى حكومة بولسونارو العتيدة، فقد اجتمعت شخصيات من «الغرفة التجارية العربية البرازيلية» مع نائب الرئيس المنتخب «هاميلتون موراو» لإطلاعه على حجم التبادل التجاري الحالي، والإيحاء إليه بما قد يتأثر في حال الإقدام على خطوة نقل السفارة.
موقف فلسطيني ضعيف
ولعله من نافل القول أن الموقف الرسمي الفلسطيني، يزداد ضعفاً يوماً بعد آخر، خاصة مع تأكيده اتباع نهج المفاوضات وإدانته اليومية لأي فعلٍ مقاوم؛ إذ بيّنت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية د. حنان عشراوي أن تصريحات بولسونارو هي عبارة عن "خطوات استفزازية وغير قانونية لن تؤدي إلا لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة". أما السفير الزبن فقال إنّه لا يزال "ينتظر تولي بولسونارو السلطة والتأكد من أنه سيقدم على هذه الخطوة".
أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية د. صائب عريقات، خرج عن المألوف خلال مقابلةٍ مع صحيفة «فوليا دي ساو باولو»، حين هدّد بـ "مقاطعة البرازيل اقتصادياً من قبل السلطة الفلسطينية" وهو ما أثار ردود فعلٍ تباينت بين عدم الفهم وإثارة الضحك هنا في البرازيل.
"سننقل السفارة.. لن ننقل السفارة"، سيبقى هذا هو حال جواب بولسونارو إلى أن تتّضح الأمور أكثر في هذا الإطار، الذي تتلخّص مفاعيله في كلمةٍ مِفتاحية بسيطة: المصالح. وفي كلّ الأحوال، يبدو أن إيحاءً ما قد وصل، بأن المصالح لن تتأثّر في حال جرى نقل السفارة "ولكن لا تنزعج إذا أصدرنا إدانات ضدّ هذا القرار غير الحكيم".